آخر تحديث قبل 7 دقيقة
يتوافد الآلاف من المتظاهرين على ميدان الكونكورد في قلب العاصمة الفرنسية باريس، أمام البرلمان.
ووقعت مشاجرات بين شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين غاضبين من استخدام الحكومة الفرنسية مادة في الدستور لفرْض إصلاحات تتعلق برفع سن التقاعد من 62 عاما إلى 64 دون إجراء تصويت برلماني.
وبثت قناة “بي أف أم” الفرنسية المحلية صورا لحشود المتظاهرين، وبينهم سياسيون، ملوّحين بأعلام ولافتات.
وقال السياسي جان لوك ميلنشون، من اليسار المتطرف، لقناة “بي أف أم” إن القانون “يفتقر إلى المشروعية”.
ووصف ميلنشون قرار ماكرون استدعاء سلطات الطوارئ بأنه “فشل ذريع”.
ووجدت الحكومة الفرنسية نفسها مضطرة إلى المضيّ قدما في إصلاحات تتعلق بسن التقاعد ولا تحظى بقبول شعبي، وذلك تفاديا لتصويت صعب في الجمعية الوطنية.
ويوم الخميس، اجتازت الخطة الحكومية لرفع سن التقاعد من 62 عاما إلى 64 مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان الفرنسي)، لكن وزراء كانوا يدركون أنها قد لا تحظى بدعم نواب البرلمان.
وتعرضت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن للسخرية بعدما استندت إلى المادة 49:3 من الدستور، والتي تتيح للحكومة تبنّي مشروع قانون دون الحاجة إلى موافقة البرلمان.
وأمام جلسة صاخبة في الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي)، دافعت بورن عن الخطة الحكومية قائلة: “لا يمكن أن نجازف بمستقبل معاشاتنا، وهذه الإصلاحات ضرورية”.
وعندما اعتلت بورن المنصة، أخذ أعضاء من اليسار يرددون النشيد الوطني الفرنسي بينما يرفعون بأيديهم لافتات مكتوب عليها “لا لـ 64”. وتعرضت رئيسة الوزراء للمقاطعة في أثناء حديثها بصيحات تطالبها بالاستقالة.
ويرى البعض أنّ فرْض مشروع القانون هو أقلّ الخيارات سوءا أمام الحكومة الفرنسية، على ما ينطوي عليه ذلك من مجازفة – فهو يضع الحكومة أمام احتمالية سحب الثقة، كما يضع البلاد على صفيح ساخن.
وعلى الفور، دعا التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى سحب الثقة من الحكومة الفرنسية. وقالت مارين لوبان – التي نافست ماكرون على الرئاسة- إن خطوة الحكومة تُعدّ إقرارا بفشل ماكرون الشخصي.
وأضافت لوبان، الزعيمة السابقة للتجمع الوطني: “إنها خطته، هو الذي اقترحها ودافع عنها إبان حملته الانتخابية”.
وأثارت الإصلاحات المتعلقة بسن التقاعد في فرنسا مظاهرات وإضرابات استمرت لأسابيع في عموم البلاد.
ولا تقتصر هذه الإصلاحات على رفع سن التقاعد مدة عامين فحسب، وإنما تطالب بسنة إضافية من المساهمات لنظام التقاعد الوطني.
وعلى الرغم من ذلك، انتُخب إيمانويل ماكرون لفترة رئاسية ثانية العام الماضي بناء على برنامج إصلاحات متعلقة بسن التقاعد في فرنسا. ولأن ائتلافه الحاكم لا يحظى بأغلبية في الجمعية الوطنية فهو يحتاج إلى دعم من حزب الجمهوريين.
وسعى مسؤولون من حزب الجمهورية إلى الأمام -الذي يتزعمه ماكرون- إلى حضّ الأعضاء على التصويت لصالح مشروع القانون، وذلك رغم عِلمهم أن عددا من هؤلاء النواب لن يصوتوا لصالح المشروع أو أنهم سيمتنعون عن ذلك في ظل عدم القبول الشعبي للإصلاحات المقترحة.
وعشية التصويت، لوّح الرئيس ماكرون بأنه قد يحلّ الجمعية الوطنية ويدعو إلى انتخابات مبكرة. وربما كان ذلك من قبيل المراوغة السياسية.
وناشدت نقابات العمال في فرنسا أعضاء البرلمان برفض الإصلاحات. وعن الكونفدرالية الفرنسية للكوادر، قال فرانسوا هومريل إن “70 في المئة من السكان و94 في المئة من العمال يعارضون هذا المشروع”.
وحذر رئيس الاتحاد العام للعمل فيليب مارتينيز من أن المظاهرات ستستمر سواء جاء تصويت البرلمان لمصلحة الحكومة أو إذا ما استخدمت الأخيرة الدستور لإقرار القانون دون تصويت البرلمان.
وبشكل واضح، قال الأمين العام لاتحاد العمل الديمقراطي الفرنسي لوران بيرغر إنه سيكون هناك مزيد من المظاهرات.
المادة 49:3 من الدستور الفرنسي؟
تتيح المادة 49:3 من الدستور الفرنسي للحكومة إمكانية تمرير تشريع دون طرحه للتصويت في البرلمان – ويعتبرها بعض المراقبين “ثغرة”.
وباستدعاء هذه المادة من الدستور، يستهدف الرئيس الفرنسي ماكرون تأمين قدرة حكومته على فرض إصلاحات دون طلب دعم من أغلبية أعضاء البرلمان.
وتكمن مشكلة المادة 49:3 في أنها تفتح الباب أمام المعارضة للدعوة إلى سحب الثقة من الحكومة التي تعلم بدورها أنها ستواجه غضبا في الشوارع من المتظاهرين الذين يرون المادة 49:3 غير ديمقراطية.
وكانت هذه المادة قد وُضعت للحيلولة دون الوقوع في اضطرابات فيما بعد الجمهورية الرابعة في عام 1958 – وهي فترة شهدت إعادة بناء الاقتصاد، كما شهدت بداية حركات الاستقلال في العديد من المستعمرات الفرنسية.